سورة المائدة - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)}
{مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ} خطاب على وجه التحذير والوعيد، وفيه إعلام بارتداد بعض المسلمين فهو إخبار بالغيب قبل وقوعه، ثم وقع فارتدّ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنو أسد قوم طليحة بن خويلد الذي ادّعى النبوة ثم أسلم وجاهد، ثم كثر المرتدون، وفشا أمرهم بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كفى الله أمرهم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكانت القبائل التي ارتدت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع قبائل بنو فزارة وغطفان وبنو سليم وبنو يربوع وكندة، وبنو بكر بن وائل، وبعض بني تميم، ثم ارتدت غسان في زمان عمر بن الخطاب، وهم قوم جبلة بن الأيهم الذي تنصر من أجل اللطمة {فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها، وقال: قوم هذا يعني أبا موسى الأشعري، والإشارة بذلك والله أعلم إلى أهل اليمن، لأن الأشعريين من أهل اليمن، وقيل: المراد أبو بكر الصديق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردّة، ويقوي ذلك ما ظهر من أبي بكر الصديق رضي الله عنه عنه الجد في قتالهم، والعزم عليه حين خالفه في ذلك بعض الناس، فاشتد عزمه حتى وافقوه وأجمعوا عليه فنصرهم الله على أهل الردة، ويقوي ذلك أيضاً أن الصفات التي وصف بها هؤلاء القوم هي أوصاف أبي بكر، ألا ترى قوله: أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، وكان أبو بكر ضعيفاً في نفسه قوياً في الله، وكذلك قوله: ولا يخافون لومة لائم: إشارة إلى من خالف أبا بكر ولامه في قتال أهل الردّة فلم يرجع عن عزمه {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين} كقوله: {أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، وإنما تعدّى أذلة بعلى، لأنه تضمن معنى العطف والحنوّ، فإن قيل: أين الرافع من الجزاء إلى الشرط؟ فالجواب: أن محذوف تقديره من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم مكانهم أو بقوم يقاتلونهم.


{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57)}
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله} ذكر الولي بلفظ المفرد إفراداً لله تعالى بهما، ثم عطف على اسمه تعالى الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين على سبيل التبع، ولو قال إنما أولياؤكم لم يكن في الكلام أصل وتبع {وَهُمْ راكعون} قيل: نزلت في عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فإنه سأله سائل وهو راكع في الصلاة، فأعطاه خاتمه، وقيل: هي عامة، وذكر الركوع بعد الصلاة لأنه من أشرف أعمالها، فالواو على القول الأوّل واو الحال، وعلى الثاني للعطف {فَإِنَّ حِزْبَ الله} هذا من إقامة الظاهر مقام المضمر: معناه فإنهم هم الغالبون {والكفار} بالنصب عطف على الذين اتخذوا، وقرئ بالخفض عطف على الذين أوتوا الكتاب، ويعضده قراءة ابن مسعود: ومن الكفار، ويراد بهم المشركون من العرب.


{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)}
{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصلاوة} الآية: روي أن رجلاً من النصارى كان بالمدينة إذا سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمداً رسول الله، قال: حرق الله الكاذب، فوقعت النار في بيته فاحترق هو وأهله، واستدل بعضهم بهذه الآية على ثبوت الأذان من القرآن {ذلك بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ} جعل قلة عقولهم علة لاستهزائهم بالدين {هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ} هل تعيبون علينا وتنكرون منا إلا إيماننا بالله، وبجميع كتبه ورسله، وذلك أمر لا ينكر ولا يعاب، ونظير هذا في الاستثناء العجيب قول النابغة:
ولا عيبَ فيهم غير أن سيوفهم *** بهنّ فلولٌ من قراع الكتائب
ونزلت الآية بسبب أبي ياسر بن أخطب، ونافع بن أبي نافع، وجماعة من اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرسل الذين يؤمن بهم فتلا: آمنا بالله وما أنزل إلينا إلى آخر الآية، فلما ذكر عيسى قالوا: لا نؤمن بعيسى ولا بمن آمن به {وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسقون} قيل: إنه معطوف على آمنا، وقيل: على ما أنزل، وقيل: هو تعليل معطوف على تعليل محذوف تقديره: هل تنقمون منا إلا لقلة إنصافكم ولأن أكثركم فاسقون، ويحتمل أن يكون: وأن أكثركم مبتدأ وخبره محذوف تقديره فسقكم معلوم، أو ثابت.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14